أوضح الكاتب جوناثان بانيكوف أن إعلان جيش الاحتلال استدعاء ستين ألف جندي احتياط للسيطرة على مدينة غزة يمثل تصعيدًا خطيرًا قد يقود إلى نتائج لا يمكن عكسها، سواء على صعيد الأرواح أو التحالفات الدولية.
ودفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الخطة مدعومًا من أكثر الحكومات تطرفًا في تاريخ إسرائيل، بالتزامن مع مرور عشرين عامًا على قرار أرييل شارون الانسحاب من غزة عام 2005 حين حذر من استحالة السيطرة على مليون فلسطيني يعيشون في ظروف بائسة.

ذكرت أتلانتيك كاونسل أن نتنياهو قد يحقق مكاسب سياسية قصيرة المدى من احتلال مدينة غزة، لكن الخسائر ستكون فادحة: المزيد من القتلى في صفوف الجنود، تهديد حياة الرهائن، غرق طويل في مستنقع عسكري، وانهيار أكبر في الدعم الدولي بما فيه الولايات المتحدة.

أشار بانيكوف إلى أن غالبية الإسرائيليين يريدون إنهاء الحرب بعدما فقدت أي هدف عسكري واقعي.
الجنرال المتقاعد ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يادلين أكد أن مفهوم "النصر التام" غير واقعي ولا يحقق نجاحًا استراتيجيًا، بل يعاكس عقيدة الأمن الإسرائيلية التي تقوم على حسم سريع يترجم سياسيًا.

حذّر رئيس الوزراء السابق نفتالي بنت في الخامس من أغسطس من تراجع مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة، حيث تتزايد النظرة إليها كدولة منبوذة.
أظهرت استطلاعات "بيو" أن 53% من الأمريكيين لديهم موقف سلبي من إسرائيل، بزيادة 11 نقطة منذ 2022.
وبلغت النسبة بين الديمقراطيين 69%، وبين الجمهوريين الشباب 50%. حتى داخل حركة "ماجا" يبرز خلاف حول دعم إسرائيل، بينما وصفت نائبة الكونغرس مارجوري تايلور غرين حرب غزة بأنها "إبادة جماعية".

تعمّق الاستطلاعات الانقسام، إذ يرى 63% من الديمقراطيين و47% من المستقلين أن واشنطن داعمة لإسرائيل أكثر من اللازم.
ويرجح بانيكوف أن هذا التوجه قد يدفع إلى خفض المساعدات العسكرية.

خارج الولايات المتحدة، يتراجع الدعم أكثر؛ فلا توجد أغلبية مؤيدة لإسرائيل في أي دولة بأوروبا أو آسيا أو الأميركيتين.
وفي العالم العربي انعكس الغضب الشعبي على تراجع التأييد للتطبيع؛ فقد هبطت نسبة المغاربة المؤيدين للعلاقات مع إسرائيل من 31% عام 2022 إلى 13%، وفي الأردن إلى أقل من 5%. توسع الحرب يعني تأجيل أي أفق لاستعادة الزخم في ملف التطبيع.

أضاف بانيكوف أن هذه العزلة تتجلى أيضًا في أوروبا حيث يرى كثيرون أن رد إسرائيل "مفرط". وتستعد دول مثل بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا للاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، بينما وصف وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر ذلك بأنه "جائزة للإرهاب". ومع ذلك يعتقد الأوروبيون أن الاعتراف ضرورة سياسية وأخلاقية بعد مقتل عشرات الآلاف وتجويع ملايين الفلسطينيين.

هذا الاعتراف يعكس، برأي بانيكوف، يأسًا من عجز إسرائيل عن تقديم خريطة طريق للمستقبل. كما أنه بات مطلبًا داخليًا في تلك الدول ذات الحكومات الوسطية، حيث يزداد الضغط البرلماني والشعبي لدعم فلسطين.

يتزامن ذلك مع خطوات أكثر حدة مثل وقف ألمانيا مبيعات الأسلحة لإسرائيل وتحذير السعودية من أن السيطرة على غزة تمثل "تطهيرًا عرقيًا".

أشار بانيكوف إلى أن إسرائيل تتبنى عقيدة الدفاع الذاتي الأحادي لكنها في الواقع اعتمدت دائمًا على حلفائها. خلال مواجهاتها الأخيرة مع إيران، ساعدتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن في صد الهجمات.
وخصصت واشنطن مليارات الدولارات لأنظمة الدفاع، إضافة إلى جهود دبلوماسية مثل وقف إطلاق النار مع لبنان. لكن إصرار إسرائيل على خطاب "سندافع عن أنفسنا وحدنا" قد يشجع معارضيها في واشنطن على الدعوة لوقف الدعم.

ولتصحيح المسار، أوصى بانيكوف بثلاث خطوات رئيسية:

  1. عدم احتلال مدينة غزة أو أي أراضٍ إضافية، لأن حماس لم تعد تمثل تهديدًا استراتيجيًا. الأفضل السعي لإخراج قادتها الباقين ومنعهم من حكم غزة بمساعدة الدول العربية.
  2. إعادة بناء الدعم الحزبي المزدوج في واشنطن عبر الانفتاح على الديمقراطيين والجمهوريين معًا، بدل الاعتماد على جناح سياسي واحد.
  3. ترميم التحالفات عبر مبادرات عملية لا عبر الدعاية، مستفيدًا من قدرات إسرائيل في التكنولوجيا والزراعة والصحة لبناء شراكات هادئة.


ختم بانيكوف بالقول إن إسرائيل عند نقطة تحول: إذا مضت في خطة احتلال غزة ستواجه عزلة دبلوماسية واقتصادية أعمق دون مكاسب عسكرية حقيقية، وإذا أعادت صياغة استراتيجيتها تستطيع تقليل المخاطر وتعزيز أمنها على المدى الطويل.

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/israels-gaza-city-operation-will-only-worsen-its-global-isolation/